الرباط الوثيق - 24مايو 2017

صحيفة المدينة

الرباط الوثيق - 24مايو 2017

2021-10-23    592

ما من مدينتينِ في تاريخِ البشريةِ ارتبطتا بمثلِ ما ارتبَطَتْ به مكةُ المكرمةُ والمدينةُ المنوَّرةُ.

فالرِّباطُ الذي يربِطُ هاتينِ المدينتينِ المقدَّستَيْنِ رباطٌ وثيق، إنَّهُ نسيجٌ من تُرابِ الأرضِ وسَحَابِ السماءِ، ومزيجٌ منْ عطاءِ الدنيا وثوابِ الآخرةِ!

نَزَلَ الوحيُ في المدينةِ المنوَّرةِ كما نزلَ في مكَّةَ المكرمةِ، وحُرِّمت المدينةُ المنورةُ كما حُرِّمتِ مكَّةُ المكرمةُ، وضُوعفتِ الصلاةُ في المدينةِ المنورةِ كما ضوعفَتْ في مكَّةَ المكرمةِ، وسالَ الدمُ المكيُّ على أرضِ المدينةِ المنوَّرةِ دفاعًا عن شرعِ الله، وسال الدَّمُ المدنيُّ على أرضِ مكةَ المكرمةِ نُصرةً لدينِ اللهِ، وتردَّد صدى الوحي في أرجاء المدينةِ المنورةِ كما جلجلَ في جبالِ مكّةَ المكرمةِ، وتآزرتِ المدينتانِ لِتَكُونَ (لا إلهَ إلاَّ اللهُ) شعارَ الوجودِ، وكلمةَ الدُّنيا الأولى، فكانت مكَّةُ المكرمةُ مَبدأَ الوحيِ، وكانتِ المدينةُ المنوَّرةُ مُنْطَلقَهُ إلى العالمِ.

ثمَّ إنَّك تجدُ زائرَ مكةَ المكرمةِ لا يدعُ زيارةَ المدينةِ المنورةِ، والمتشرِّفَ بالصلاةِ بجوار الكعبةِ المنيفةِ، لاتفوتُهُ الصلاةُ في الروضةِ الشريفةِ، ولا يَقِرُّ قرارُ الحاجِّ حتى يجمعَ إلى نُسُكِهِ المكيِّ مُقامًا مَدَنيًّا يتشرَّفُ فيه بالسلامِ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

فلا حجَّ إلاَّ في مكةَ المكرمةِ:

نَحُجُّ لبيتٍ حَجَّهُ الرُّسْلُ

قَبْلنا

لنشهدَ نَفْعًا في الكتابِ قرأناهُ

دعانا إليهِ اللهُ عندَ بنائِهِ

فقُلْنا لَهُ: لبيكَ داعٍ أَجَبْناهُ

فلا حَجَّ إلاَّ أنْ يكونَ بأرضِهِ

وقوفٌ، وذلك في الصّحاحِ

رويناهُ

يطوفُ به الجانِي فيغفرُ ذنبهُ

ويسقطُ عنهُ إثمهُ وخطاياهُ

إليهِ فؤادُ المرء يَشْعُرُ بالهنا

ولولاهُ ما كانَ الحجازُ قَصَدناهُ

ولا زيارةَ إلاَّ لمسجدِ المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينةِ المنوَّرةِ:

ومِنْ بَعْدَ ما طُفْنا طوافَ وداعِنا

رحلنا الى أرضِ الحبيبِ ومَغْناهُ

وَصَلْنا إليهِ واتَّصلْنا

بقُرْبِهِ

فللهِ ما أحلىَ وصولاً وصلناهُ

وقمنا وسلمنَا عليه

وإنَّه

ليَسْمَعُنا من غير شكٍ شَكَكْناهُ

ومِلْنا لتَسْليمِ الإمامينِ بَعْدَهُ

فإنَّهمَا حقًّا هناك ضجيعاهُ

وَقَفْنا تُجاهَ المُصْطفَى لوَداعِهِ

فلا

دَمْعَ إلاَّ للوداعِ صَبَبْناهُ

فيا ربَّنا ارزقْنا لمغناهُ عودةً

فإنَّ زمانًا لا نراهُ كرهْناهُ

ومن لطائف الاجتماعِ بين المدينتين: أنَّ أولَ حديثٍ ساقه البخاريُّ في صحيحِهِ مُسَلْسُلٌ أكثرُهُ بالمكيين! وثاني حديث ساقه مُسَلْسَلٌ أكثرُهُ بالمدنيين! فالتقتِ المدينتانِ في صدرِ أصحِّ كتابٍ بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ!

وقد أذنِ اللهُ سبحانَهُ وتعالى لهذهِ البلادِ المباركةِ: المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ أنْ تتشرفَ بخدمةِ المدينتينِ، ليكونَ هذا الجمعُ صورةً أخرى من صورِ التقائهما.

فلله هاتانِ الجوهرتانِ الثّمينتانِ.

للهِ مكةُ المكرمةُ ببيتِها وكَعْبتِها وزمزمها وحطيمِها.

وللهِ طيبةُ بمسجدِها وروضتِها وطيبِ أثرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها.


مشاركة :